شهد الاقتصاد المصري خلال عهد الملك فاروق الأول (1936-1952) تحولات كبيرة ومتناقضة، حيث مزج بين مظاهر التحديث والاستمرار في التبعية الاقتصادية. كان هذا العصر بمثابة مفترق طرق بين مصر الملكية القديمة ومصر الثورة الحديثة، مما أثر بشكل عميق على الهيكل الاقتصادي للبلاد.اقتصادمصرفيعهدالملكفاروق
الزراعة: العمود الفقري للاقتصاد
ظلت الزراعة تشكل الدعامة الأساسية للاقتصاد المصري في تلك الفترة، حيث استحوذت على أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي. واصل القطن المصري سيطرته كأهم محصول تصديري، لكن هذه الهيمنة خلقت مخاطر كبيرة بسبب اعتماد الاقتصاد على محصول واحد وتقلبات الأسعار العالمية.
التصنيع: بدايات متواضعة
شهدت فترة حكم فاروق بدايات التصنيع الحديث في مصر، حيث ظهرت مصانع الغزل والنسيج والصناعات الغذائية. ومع ذلك، واجه القطاع الصناعي تحديات كبيرة بسبب المنافسة الأجنبية ونقص رأس المال والخبرات الفنية. أنشئت "بنك التسليف الصناعي" عام 1947 لدعم الصناعات المحلية، لكن تأثيره ظل محدوداً.
التجارة والاستثمار الأجنبي
حافظت مصر على علاقات تجارية وثيقة مع بريطانيا والدول الأوروبية، حيث ظل الجنيه المصري مرتبطاً بالجنيه الإسترليني. سيطر المستثمرون الأجانب على العديد من القطاعات الحيوية مثل قناة السويس والبنوك وشركات التأمين، مما أثار استياء الطبقة الوطنية المصرية.
النظام الضريبي والديون
عانى النظام الضريبي من اختلالات كبيرة، حيث اعتمد بشكل أساسي على الضرائب غير المباشرة التي أثقلت كاهل الفقراء. في المقابل، تمتع كبار الملاك بالإعفاءات الضريبية. بلغت الديون الخارجية لمصر مستويات خطيرة، حيث خصصت نسبة كبيرة من الموازنة لسداد أقساط الديون وفوائدها.
اقتصادمصرفيعهدالملكفاروقالتحديات الاجتماعية والاقتصادية
تفاقمت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل كبير خلال هذه الفترة. عانت الطبقات الدنيا من ارتفاع الأسعار ونقص السلع الأساسية خاصة خلال الحرب العالمية الثانية. أدت هذه الأوضاع إلى تفشي السوق السوداء وانتشار الفساد الإداري.
اقتصادمصرفيعهدالملكفاروقالخاتمة
ترك عهد الملك فاروق إرثاً اقتصادياً معقداً، حيث جمع بين بعض مظاهر التحديث واستمرار التبعية الاقتصادية. كانت هذه الفترة بمثابة حاضنة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مهدت لقيام ثورة 1952. يعتبر العديد من الاقتصاديين أن السياسات الاقتصادية في ذلك العهد ساهمت في تعميق الأزمات التي أدت إلى سقوط النظام الملكي.
اقتصادمصرفيعهدالملكفاروق